الأدب الملحمي الجديد
معراج أحمد معراج الندوي
الأدب الملحمي الجديد هو أكثر بكثير من مجرد إعادة كتابة أو صياغة الأعمال والروائع الملحمية القديمة. وليس كل من يعيد كتابة ملحمة قديمة مولفا ملحميا جديدا من باب الاجتهاد، مضامين وعناصر ووقائع جديد غير موجودة بالأصل، هذا من الأدب الملحمي الجديد، لكنه لا يستوعب كل عناصر الفنية. الأدب الملحمي الجديد هو فلسفة الميثولوجيا، فلسفة اللاهوت الميثولوجي، لأن جوهر الميثولوجيا لا هوتي ديني بامتياز، والأساطير كانت دين العامة لدى الشعوب القديمة، أما جوهرها الروحي، فكان علم الخاصة ويأتي الأدب الملحمي الجديد للكشف عن هذا الجوهر الروحي الكامن في الميثولوجيا. أما النص الملحمي فهو نص فلسفي في الحضارة والتاريخ والدين، وليس فقط نصا أدبيا، بل هو أدب الحضارة، وأدب التاريخ، وأدب الفلسفة وأدب الدين، إنه حضارة الحضارات، وتاريخ من التواريخ، وفلسفة من الفلاسفة، وهو دين من الأديان، فهو أساس الروحي للحضارة والتاريخ والفلسفة والدين.والدين والفلسفة والتاريخ والحضارة ظاهرة تمظهر الروح في العالم في محدة وجودية عضوية حية للكشف عن أقانيمه وصفاته، فإن النص النص الملحمي الجديد، هونص روحي أولا وأخيرا، لكنه يتميز عن باقي النصوص الروحية والأدبية بكونه نصا كشفيا. النص الملحمي الجديد نص تأسيس عميق، لا تؤلف، للفكرة الروحية التوحيدية الكونية، وإن كاتب النص الملحمي الجديد يكتب فلسفة الحضارة والتاريخ والدين بالصورة واللون الموسيقى، بريشته وقيثارته يكشف الروح الكلي للعالم، لأن الحلم لغة الروح والموسيقى حروفها.
إن مؤلف النص الملحمي الجديد يعيد كتابة هذا التاريخ الحضاري لكل الشعوب بتصرف، بما يتعدى الزمان والمكان والحدود الجغرافية والنفسية للأمم، ليضع التاريخ الحضاري الواحد للبشر ويؤسس لهم هوية روحية كبرى جامعة فيما يتعدى هوياتهم الدينية والثقافية على اعتبار أن الروح واحد كوني بجوهره، وهو بذلك الحقيقة الوحيدة للبشر جميعهم، على كاتب النص الملحمي الجديد أن يتقن فن النزول في العتمة المقدسة، عتمة الأسرار، حيث الاشياء في وحدة تامة، تلك هي العروة الوثقى في وحدة الكون.
الأدب الملحمي الجديد هوأدب الثورة الروحية القادمة التي شهدها القرن الواحد والعشرون ليكون أدبا روحيا، والثورة الروحية القادمة لن تكون وحيا من السماء، بل كشفا وجوديا روحيا من الأرض. قالت السماء كلمتها، وبقي على الأرض أن تقول كلمتها، أن تكشف عن أبناء النور والحياة، هؤلاء هم الكلمة في الأرض، فالأدب الملحمي الجديد هوصلب من أجل رسالة المحبة والحياة الجديدة التي حملها الإنسان، يفتش عن عشتار، نصفه الآخر، هي نفسها صلبها رحيله، وعلى هذه النفس أن تعود واحدة لتقف بين يدى الله من جديد.
الرؤية الإسلامية في النقد الأدبي
الأدب تعبير عن الحياة والشعور والوجدان والأفكار والتصورات والقيم والمبادئ، والنقد هو تقويم الأدب وتوجيهه فنيا وجماليا وفكريا وخلقيا نحو التطور والبناء وأداء الغاية المنشودة منه في الحياة، وكما أن الأدب لا يمكن تجريده من القيم والمثل والمبادئ التي يؤمن بها الأديب سواء كان هذا الأدب إسلاميا أو غير ذلك من الآداب العالمية، والنقد لا يمكن تجريده من القيم أو الأخلاق العملية، حيث أن القيم الروحية والأخلاقية يحتاجها الأدب الجاد كما يحتاجها النقد الهادف السليم، لحمل الرسا لة السماوية وهي رسالة الإسلام إلى الإنسانية.
القيم هي مقياس الجمال كما أن الفكرة الجميلة هي عماد العمل الأدبي، والجمال وقوة التأثير في العمل الأدبي يعودان إلى قوة العقيدة والعاطفة، والالتزام والإيجابية من مسالة القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية التي يجب أن يكون أثرها قويا في النقد الإسلامي. النقد في الرؤية الإسلامية رسالة تعليمية وتوجييه، وهو شريك الأدب والفن بنحوعام في بناء الذوق السليم وتربيته لدى الناس، وتزويدهم بالغذاء الفكر والروحي، وإشراكهم في المتعة النظيفة، وإدخالهم في عالم عالم الأفكار الموجة للطاقات نحو الخير في المجتمع.النقد في الرؤية الإسلامية نقد ملتزم، يسعى إلى أن يسود الإيجابية والفاعلة في الحياة، ويعمل على تقويم السلوك الإنساني وفق التصور الإسلامي، وهو في تكامله مع الأدب الإسلامي ضرورة حياتية مثل الروافد المائية النظيفة التي تمد النهر بالغذا والماء، يكون هدفه أن يبعث الحياة والروح المتجددة في النفوس الخالدة، والقلوب الجامدة. ومن الواضح أن الأدب والشعر، والفنون الجميلة والحكمة والفلسفة والتأليف والتصنيف، ليس من وراء كل ذلك إلا غرض واحد، وهو أن تتولد في صاحبه حياة جديدة، وإيمان جديد. وتؤكد الرؤية النقدية الإسلامية بأن الفن هو الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الكمال، ومن هنا يتلقيان في القمة التي تلتقي عندها كل الوجود، حيث أن الأدب من أكبر الوسائل للوصول إلى الأهداف النبيلة، والـتأثير في النفس الإنسانية والإسهام في بناء الحضارة.
إن النظرية النقدية الإسلامية التي تجعل الفنون والآداب وسائل في خدمة الأفكار والتصورات والمبادئ الدينية والأخلاقية، والاهتمام بالقيم الأخلاقية والمبادء الإسلامية لكونها تحمل أبعادا واسعة في حياة الفرد بالدرجة الأولى، وفي حياة الأمة الإسلامية الشاهدة على الناس بحضارتها، وبقيمها ومبادئها الطاهرة، ثم في حياة الإنسانية المتعطشة إلى القيم الروحية، والمثل والأخلاق، وإلى المبادئ التي تساهم في تقويم البناء المتصدع في صرح الحضارة الحديثة.